2016-11-14 00:00:00

لم تكن السجون التركية فارغة يوماً من الأيام من المعتقلين، إمّا بسبب زيادة نسب الجرائم في البلد، أو بسبب عمليات أمنية قامت بها الحكومة التركية ضد مجموعات سياسية معينة في فترات مختلفة، على الرغم من أن تهم السجناء معظمها جنائية الطابع، إلّا أن هذه العمليات الأمنية ذات المغزى السياسي، ساهمت في زيادة نسب الأشغال فيها، وأدت إلى تجاوز الحدّ في نسب أشغال السجون.
وفي ما يتعلّق بالمحاولة الانقلابية العسكرية التي وقعت في 15 تموز الماضي، فقد زادت الطين بلّة، حيث بلغ حد الأشغال فيها إلى نحو 104 في المئة.
حكّام تركيا بدلاً من أن يتساءلوا عن ازدياد نسب الجرائم، أو عن زيادة عدد المعتقلين السياسيين في الفترات السابقة، ليتخذوا تدابير اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية للحيلولة دون تحوّل الموضوع إلى كارثة، فضّلوا منهجاً آخر وهو إصدار عفو عام، وبالطبع، فإن التاريخ يكرر نفسه الآن، وهذا الأمر الذي أكملت وزارة العدل دراسته، بشأن الملف في الآونة الأخيرة، حيث تنصّ مذكرة القانون الجديد على إطلاق سراح المعتقلين الذين حكم عليهم بالسجن بأقل من أربعة سنوات، ويستثنى منها الجرائم التي تتعلق بالاغتصاب والاعتداء الجنسي والإرهاب، لكي يتم تقييدهم تحت المراقبة الأمنية .
هل سيساهم إصدار العفو العام في حلحلة المشاكل الاجتماعية التي تؤدي إلى مثل هذه النتائج الغير منشودة؟
ينبغي تأصيل وشرح هذه المسألة، في وقت يبلغ فيه عدد المعتقلين أرقاماً قياسية في السجون التركية، ويتم طرح قضية إصدار عفو عام إلى جدول الأعمال الرأي العام من جديد.
هل سبب هذه الظاهرة يعود إلى ازدياد نسبة الجرائم العادية أم الفشل في مكافحة الجرائم؟ أم بسبب المأزق في صياغة أنظمة القانون؟ أو عدم إنشاء معتقلات جديدة والاستخدام غير الفعّال لمباني المعتقلات؟ أم أن السبب يعود إلى تأخر في وتيرة المحاكمات وإبقاء المعتقلين في السجون لفترات طويلة؟
وفقاً للوزارة، لا تعود علّة زيادة نسب الأشغال إلى إبقاء المعتقلين في السجون لفترات طويلة، فقد أكّدت مصادر الوزارة أن عدد المحتجزين، الذين تعد قضيتهم في ذمة التحقيق قياساً بالمحكومين أو المدانين، قلّ، وأن هذا التطوّر مبشّر بالخير، وأن نسبة المعتقلين على ذمّة التحقيق في السجون التركية تراجعت إلى نحو 14 في المئة، بفضل القوانين الجديدة بحسب المصادر الرسمية، علماً أن تركيا قد تمّت إدانتها من قبل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، لإبقاء المشتبهين فيهم لمدة طويلة وأجبرت على دفع ملايين الدولارات كتعويضات مالية للمتضررين.
وبالطبع، فإن المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة في 15 تموز الماضي، ساهمت في ارتفاع نسب الأشغال في السجون التركية، بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية، ويرجع ذلك إلى أن الذين تم اعتقالهم في فترة ما بين الانقلاب الفاشل و 28 أيلول الماضي، بلغ عددهم نحو 32 ألف معتقل، ومازال النقاش يدور حول تبريرات حكومية لإدخال هؤلاء إلى السجون، وعلى الأقل فإن الجدل يستمر حول صوابية الاتهامات بشأن من يثبت تورطهم في المحاولة الانقلابية الفاشلة، على الرغم من أن بعض المعتقلين سيتم إطلاق سراحهم، لعدم إثبات الأدلة في حقهم، إلا أنه لا أحد يتوقع بأن جميع هؤلاء سيتم إطلاق سراحهم بعد مراجعة المحكمة قراراتها، أو بعد إحالة القضية إلى محاكم الاستئناف.
ومع ذلك، فإنه لا يمكن تفسير نسب الأشغال المرتفعة في المعتقلات بمجرد الاعتقالات أو الاحتجاز على ذمة التحقيق بعد الانقلاب الفاشل، لأن نسبة المعتقلين بعد محاولة الانقلاب لا تتجاوز 13 في المئة، وعدد الباقيين يصل إلى نحو 160 ألف، وإن هذا العدد كاف للتدليل على خطورة الوضع في تركيا وحده.

زيادة نسب الجرائم منذ العام 2006 في تركيا
لدى دراسة بيانات المديرية العامة للسجون، وأماكن الاحتجاز التركية، يمكن الوصول إلى نتيجة توحي بأن عدد المعتقلين في السجون التركية كان يتراوح ما بين 50 إلى 70 ألف معتقل، منذ مطلع السبعينات وحتى العام 2006، وبعد هذا العام سجّلت الجرائم ارتفاعاً قياسياً في أعداد المعتقلين، فعلى سبيل المثال خلال عشرة أعوام وبعد العام 2006، تجاوز عدد المعتقلين أكثر من 150 ألف، وبلغ في السنوات الأخيرة إلى 180 ألف شخص، ولكن السجون التركية تستوعب 179 ألف معتقل كحد أقصى، وهناك حاجة ملحة لإنشاء مباني السجون الجديدة، وهو أحد الملفات المهمة أمام الحكومة التركية والتي بات حلّها ضرورياً.
وأكّد يلماظ تونج، وهو أحد أعضاء لجنة العدل في البرلمان التركي ونائب في حزب «العدالة والتنمية» أن أحوال السجون تحسنّت خلال فترة حكم حزب «العدالة والتنمية»، أي خلال 13 عاماً، وتم إنشاء معتقلات جديدة وحديثة، مضيفاً أن سبب زيادة نسب الأشغال في السجون التركية يعود إلى تعديلات في قانون العقوبات وتنفيذ العقوبات التركية.

تركيا ثاني أكثر البلدان في عدد المعتقلين في أوروبا
يمكن تفهّم وإيضاح أسباب ارتفاع نسبة الجرائم في العالم والبلدان النامية، إلّا أن تركيا لها ظروف خاصة، ووفقاً لتقرير المعتقلات الذي تم إعلانه من قبل معهد أبحاث السياسات الجنائية التركية، فإنها تحتلّ المرتبة التاسعة في العالم في عدد المعتقلين، و في أوروبا تحتل مرتبة ثانية بعد روسيا.
وينبغي التطرّق هنا، إلى الاشتباكات التي تقع بين الحين والآخر في بعض المدن شرقي تركيا، والتي تشبه الحروب الأهلية، وبحسب البيانات الرسمية التي صدرت في آذار الماضي، فإن عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب تهمة الانتماء لمنظمة اتحاد مجتمعات كردستان، بلغت نحو 6 آلاف و500 معتقل، وفقاً للتصريحات الرسمية، وفي نهاية العام الماضي وصل عدد المعتقلين إلى 7469، ويرجع ذلك إلى تهم الإرهاب.
بدوره، أشار النائب في حزب «العدالة والتنمية» حسن توران لـ»السفير» إلى أن بلاده تعرّضت لانقلاب عسكري فاشل مدعوم خارجياً في 15 تموز الفائت وهذا شكل خطراً على أمن تركيا القومي، وهي التي تقع جغرافياً في منطقة حساسة وإستراتيجية جداً، وتم اعتقال المتورطين في هذه المؤامرة.
وقال توران إن هذا الانقلاب الفاشل كان امتداداً للتدخلات الأجنبية التي تهدف إلى إضعاف تركيا سياسياً واقتصادياً والى إستنزاف قدرات الشعب التركي، مؤكداً أنه من الطبيعي بالنسبة إلى الحكومة التركية أن تكافح الجريمة بكل أشكالها في إطار قانوني وشرعي.
وأضاف أنه «من مهمة قوات الأمن تأمين الهدوء والحيلولة دون وقوع أحداث تهدد امن وسلام الدولة»، وبرأيه فإن المعطيات الرسمية لا تشير إلى وجود أي خلل قانوني أو شرعي بشأن الإجراءات الرسمية.
واحتج النائب التركي على كون الصورة في تركيا «ليست كما قدمتها الدول الغربية التي تنتهك حقوق الإنسان أكثر بكثير قياساً بدول أخرى في أنحاء العالم وخاصة في منطقتنا نحن».
من جهته، أكد الناشط السياسي والرئيس السابق لـ»منظمة حقوق الإنسان» (مظلوم-در) عمر فاروق غرغرلي أوغلو لـ»السفير» أنه إذا كانت الحكومة تنوي معالجة المشاكل في السجون «يجب اللجوء إلى أساليب بديلة لسياسية الاعتقالات»، معتبراً أن اللجوء إلى العنف والتسلح الفردي هو من أهم المظاهر الاجتماعية في المجتمع التركي.
وأضاف غرغرلي اوغلو أن الألعاب التي تدفع الأطفال إلى العنف، والأفلام الكرتونية المشجعة للعنف أيضاً تلعب دوراً في تضخيم ظاهرة الجريمة على الأمد الطويل في البلد.
وفي ما يتعلق بالجانب القانوني، يرى غرغرلي اوغلو أن عدم كفاءة نظام القانون ونظام المحاكمات، بالإضافة إلى عدم استخدام النظام السياسي التركي الطرق السلمية لحلحة الأزمات الاجتماعية والسياسية، وتعامل السلطة القضائية مع ظاهرة الاعتقال على ذمة التحقيق على أنها عقوبة، بدلاً من إيجاد تدبير احتياطي بضغوط سياسية، كلها أسباب تلعب دوراً في استمرار مشكلة زيادة الجريمة ونسب حد الأشغال في السجون.
ورأت عالمة الاجتماع في جمعية «المجتمع المدني» عائشة ألجان أن سبب الزيادة في عدد المعتقلين، لا يعود إلى زيادة مفاجئة في ارتكاب الجرائم. وأَضافت أنه «ليس هنالك مؤشرات لزيادة نسبة ارتكاب الجرائم، لكن ما يحدث هو تجريم الناس بطريقة ممنهجة».
بدوره، قال مكتب المخدرات والجرائم للأمم المتحدة إن مشكلة الزيادة في أشغال السجون، لا تتعلق بدولة معينة دون غيرها، بل تعاني منها جميع البلدان من المشكلة ذاتها، كما أكد المسؤولون في مكتب الأمم المتحدة على أن زيادة أشغال السجون، تؤدي إلى انتهاكات في حقوق الإنسان، وإن مساهمة إنشاء سجون جديدة في حل المشاكل، لا يكون إلا بشكل جزئي ومؤقت.
وكانت السلطات التركية أعلنت قبل اسابيع أن سجونها مُكتظة، فأطلقت حملة أولى لـ «الإفراج المبكر» عن 38 ألف شخص «غير ضالعين» في محاولة الانقلاب لتستبدلهم بالسجناء الجُدد الذين بلغ عددهم 35 الف شخص حتى الآن بتهمة الانتماء إلى جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في 15 تموز الماضي.

اقرأ أيضاً

مأسسة الاستبداد: تركيا نموذجاً

سجن ديميرطاش: الانتقام الأكبر لأردوغان

Essafir

Yorumlar